العبوات اللاصقة: سلاح صامت يغتال العراقيين
استخدمت العبوات اللاصقة منذ عام 2004
يرقد ياسر الأنباري، العقيد في الشرطة العراقية، في سريره برجل واحدة بعد ان ذهبت عبوة ألصقت بسيارته برجله اليمنى. تحتل الضمادات البيضاء السميكة مساحة النظر. تطغى على صورة ياسر العاجز عن السيطرة على دموعه.
"لا أريد ان أرى سيارة، لا أريد ان أرى بشرا، أريد فقط ان أجلس قبالة البحر وأنسى"، تخرج كلماته متألمة. بكاؤه يشبه نعوة كهل لحياة فاتته.
اعتاد العقيد ياسر ان يفتش سيارته كل مرة يبتعد عنها ويعود اليها فهو يفتش الأبواب من الداخل، يفحص الجزء السفلي من المحرك ليتأكد ان لا جسما غريبا ألصق في أي مكان من السيارة.
في ذلك اليوم الخريفي من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، فاتت العبوة الصغيرة نظره. وانفجرت بعد حوالي كيلومتر من انطلاقه.
كون الجرح لا يزال حارا. وياسر لا يرى حاليا النصف الملئ من الكوب.
لحظة الانفجار كانت "الكارثة التي لا تترك مخيلتي"، يقول ياسر ناظرا في الفراغ.
وروى لبي بي سي كيف صار عاجزا عن السمع وعن التنفس مضيفا "دخان كثيف، رجلي اليمنى لم تعد في مكانها. والثانية بقي منها لحم بسيط".
وأضاف ياسر الذي يقطن حي الحرية أنه ليس له أعداء ، وقال " العراق دمرني .. أناشد كل شريف في العالم. ما هو ذنبي؟ أنا مهندس (برتبة) عقيد. ماذا فعلت لأستهدف وأنا لا أنتمي الى أي حزب؟".
"اصطياد سهل"
كان ابو محمد، النقيب في الشرطة العراقية، يقود سيارته على طريق سريع بعد انتهاء دوامه في مقر الشرطة. يروي ابو محمد ان سيارة لحقت به على الطريق السريع وبدأت تشير اليه بالابتعاد.
وأضاف لبي بي سي "أفسحت المجال وعندما أصبحت السيارة بموازاة سيارتي، بدأ إطلاق النار و لم أشعر إلا بزجاج سيارتي الخلفي يتفجر".
نجا ابو محمد من محاولة قتله بكاتم الصوت ، لكنه يشعر ان حياته لا تزال في خطر لأن المسلحين أصبحوا يعتمدون سياسة "الاصطياد السهل" ويستهدفون الموظفين الحكوميين الذين يمثلون "هيبة الدولة".
وختم بقوله "كان لي حظ كبير بان نجوت، ولا حل آخر سوى ان نزيد الحذر. ان نفتش سياراتنا قبل ركوبها".
سلاح قديم متجدد
لا تحمل العبوة اللاصقة الواحدة أكثر من ثمانمائة جرام من المتفجرات، بحسب ما يقول مدير مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية اللواء جهاد الجابري. لكنها تقتل، إلا في حالات قليلة.
ولا تعد العبوات اللاصقة ظاهرة جديدة فقد استخدمت في عام 2004 وخصوصا في منطقة الكرادة بحسب تأكيدات اللواء الجابري.
وأضاف الجابري ان العبوات تعد بشكل بدائي حيث كان يستخدم المغناطيس البسيط المستخرج من ألعاب الأطفال للصق العبوات.
هذا ما جعل تلك العبوات فعالة في مجال ضيق جدا مثل استهداف شخص بعينه. فالعبوة التي تلصق بالسيارة قد تتسبب بمقتل الشخص الجالس في المقعد المستهدف ولا تؤذي الجالس في المقعد المجاور.
وكانت نوعية المغناطيس المتدنية تتسبب بسقوط العبوة في الشارع عند أي مطب تمر به السيارة.
ومع انخفاض عدد الهجمات الانتحارية المدمرة، أصبحت العبوات اللاصقة المحلية الصنع والمسدسات الكاتمة للصوت هي الأسلحة الأبرز والأكثر استخداما في العراق اليوم.
وأغلب المستهدفين بالهجمات الفردية عناصر الجيش والشرطة خصوصا، بحسب ما يقول مسؤولون عراقيون ومنظمات غير حكومية.
وأرجع المسؤولون العراقيون عودة المسلحين الى استخدام العبوات اللاصقة وكواتم الصوت الى تضييق الخناق نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة ما جعل استخدام كميات كبيرة من المتفجرات أمرا صعبا.
من المسؤول؟
وقال تقرير لمرصد الحقوق والحريات الدستورية في بغداد ان تأخير تشكيل الحكومة بعد حوالي سبعة أشهر من الانتخابات قد يكون احد اهم اسباب انتشار هذه الظاهرة كوسيلة لتصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين. ويقول المرصد ان عدد ضحايا عمليات الاغتيال هذه تجاوز الستمائة هذا العام.
ولم يستبعد قاسم عطا، المتحدث باسم عمليات بغداد، ان تكون موجة الهجمات الفردية الجديدة ذات أبعاد سياسية داخلية لكن المتهم الأول يبقى هو نفسه. "تنظيم القاعدة هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن استخدام كواتم الصوت والعبوات اللاصقة بهدف زعزعة الأمن".
وبرغم امتناعه عن "اتهام جهة سياسية بتنفيذ عمليات ارهابية" لكنه يؤكد انه يجب على القوات الأمنية ان "تأخذ بنظر الاعتبار جميع الاحتمالات فيما لو لجأت جهة سياسية الى استخدام العنف".
يعتمد تأثير العبوة اللاصقة على المكان الذي تلصق فيه
يعتمد تأثير العبوة اللاصقة على الموقع الذي تلصق به. وقبل ان يتم اغتيال الشخص "يراقب القتلة هذا الشخص ويرصدون وقت دخوله وخروجه" بحسب قول اللواء الجابري.
أما صنع العبوة فسهل. يكفي تركيب جهاز ميكانيكي بسيط يعتمد على ضغط الهواء لدفع قطعة معدنية صغيرة تضرب الصاعق لتفجير العبوة.
هذه القطعة الميكانيكية تربط بالمواد المتفجرة وتلصق في أسفل السيارة بواسطة مغناطيس يمكن استقطاعه من الحواسيب، ولديه قدرة عالية على الالتصاق بالمعادن بحيث يستحيل انفصال العبوة عن السيارة حتى لو مرت على مطب، كما لا يمكن فصلها يدويا.
يسهل جمع كل هذه العناصر بشكل محلي. كما يسهل تصنيع كواتم الصوت في مصانع صغيرة. تكفي آلة صهر الالمنيوم لصنع كاتم صوت بالحجم المطلوب.
وتفاديا لتعريض حياتهم للخطر، حرص الضباط في مديرية مكافحة المتفجرات على إخفاء وجوههم عند تصوير الشرح الذي قدموه لبي بي سي عن كيفية صنع المتفجرات. يقولون ان الشرطة العراقية نشطت في الفترة الأخيرة في مجال التحري والتحقيق للوصول الى الأدلة على من يصنعون المتفجرات.
وقد يفسر ذلك بنظر الضباط الذين تحدثوا الى بي بي سي مقتل مدير مصلحة الأدلة الجنائية في الموصل أخيرا على يد مسلحين مجهولين.
ولا يمر يوم في العراق دون ان يسمع عن عملية اغتيال من هذا النوع او أكثر.
استخدمت العبوات اللاصقة منذ عام 2004
يرقد ياسر الأنباري، العقيد في الشرطة العراقية، في سريره برجل واحدة بعد ان ذهبت عبوة ألصقت بسيارته برجله اليمنى. تحتل الضمادات البيضاء السميكة مساحة النظر. تطغى على صورة ياسر العاجز عن السيطرة على دموعه.
"لا أريد ان أرى سيارة، لا أريد ان أرى بشرا، أريد فقط ان أجلس قبالة البحر وأنسى"، تخرج كلماته متألمة. بكاؤه يشبه نعوة كهل لحياة فاتته.
اعتاد العقيد ياسر ان يفتش سيارته كل مرة يبتعد عنها ويعود اليها فهو يفتش الأبواب من الداخل، يفحص الجزء السفلي من المحرك ليتأكد ان لا جسما غريبا ألصق في أي مكان من السيارة.
في ذلك اليوم الخريفي من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، فاتت العبوة الصغيرة نظره. وانفجرت بعد حوالي كيلومتر من انطلاقه.
كون الجرح لا يزال حارا. وياسر لا يرى حاليا النصف الملئ من الكوب.
لحظة الانفجار كانت "الكارثة التي لا تترك مخيلتي"، يقول ياسر ناظرا في الفراغ.
وروى لبي بي سي كيف صار عاجزا عن السمع وعن التنفس مضيفا "دخان كثيف، رجلي اليمنى لم تعد في مكانها. والثانية بقي منها لحم بسيط".
وأضاف ياسر الذي يقطن حي الحرية أنه ليس له أعداء ، وقال " العراق دمرني .. أناشد كل شريف في العالم. ما هو ذنبي؟ أنا مهندس (برتبة) عقيد. ماذا فعلت لأستهدف وأنا لا أنتمي الى أي حزب؟".
"اصطياد سهل"
كان ابو محمد، النقيب في الشرطة العراقية، يقود سيارته على طريق سريع بعد انتهاء دوامه في مقر الشرطة. يروي ابو محمد ان سيارة لحقت به على الطريق السريع وبدأت تشير اليه بالابتعاد.
وأضاف لبي بي سي "أفسحت المجال وعندما أصبحت السيارة بموازاة سيارتي، بدأ إطلاق النار و لم أشعر إلا بزجاج سيارتي الخلفي يتفجر".
نجا ابو محمد من محاولة قتله بكاتم الصوت ، لكنه يشعر ان حياته لا تزال في خطر لأن المسلحين أصبحوا يعتمدون سياسة "الاصطياد السهل" ويستهدفون الموظفين الحكوميين الذين يمثلون "هيبة الدولة".
وختم بقوله "كان لي حظ كبير بان نجوت، ولا حل آخر سوى ان نزيد الحذر. ان نفتش سياراتنا قبل ركوبها".
سلاح قديم متجدد
لا تحمل العبوة اللاصقة الواحدة أكثر من ثمانمائة جرام من المتفجرات، بحسب ما يقول مدير مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية اللواء جهاد الجابري. لكنها تقتل، إلا في حالات قليلة.
ولا تعد العبوات اللاصقة ظاهرة جديدة فقد استخدمت في عام 2004 وخصوصا في منطقة الكرادة بحسب تأكيدات اللواء الجابري.
وأضاف الجابري ان العبوات تعد بشكل بدائي حيث كان يستخدم المغناطيس البسيط المستخرج من ألعاب الأطفال للصق العبوات.
هذا ما جعل تلك العبوات فعالة في مجال ضيق جدا مثل استهداف شخص بعينه. فالعبوة التي تلصق بالسيارة قد تتسبب بمقتل الشخص الجالس في المقعد المستهدف ولا تؤذي الجالس في المقعد المجاور.
وكانت نوعية المغناطيس المتدنية تتسبب بسقوط العبوة في الشارع عند أي مطب تمر به السيارة.
ومع انخفاض عدد الهجمات الانتحارية المدمرة، أصبحت العبوات اللاصقة المحلية الصنع والمسدسات الكاتمة للصوت هي الأسلحة الأبرز والأكثر استخداما في العراق اليوم.
وأغلب المستهدفين بالهجمات الفردية عناصر الجيش والشرطة خصوصا، بحسب ما يقول مسؤولون عراقيون ومنظمات غير حكومية.
وأرجع المسؤولون العراقيون عودة المسلحين الى استخدام العبوات اللاصقة وكواتم الصوت الى تضييق الخناق نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة ما جعل استخدام كميات كبيرة من المتفجرات أمرا صعبا.
من المسؤول؟
وقال تقرير لمرصد الحقوق والحريات الدستورية في بغداد ان تأخير تشكيل الحكومة بعد حوالي سبعة أشهر من الانتخابات قد يكون احد اهم اسباب انتشار هذه الظاهرة كوسيلة لتصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين. ويقول المرصد ان عدد ضحايا عمليات الاغتيال هذه تجاوز الستمائة هذا العام.
ولم يستبعد قاسم عطا، المتحدث باسم عمليات بغداد، ان تكون موجة الهجمات الفردية الجديدة ذات أبعاد سياسية داخلية لكن المتهم الأول يبقى هو نفسه. "تنظيم القاعدة هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن استخدام كواتم الصوت والعبوات اللاصقة بهدف زعزعة الأمن".
وبرغم امتناعه عن "اتهام جهة سياسية بتنفيذ عمليات ارهابية" لكنه يؤكد انه يجب على القوات الأمنية ان "تأخذ بنظر الاعتبار جميع الاحتمالات فيما لو لجأت جهة سياسية الى استخدام العنف".
يعتمد تأثير العبوة اللاصقة على المكان الذي تلصق فيه
يعتمد تأثير العبوة اللاصقة على الموقع الذي تلصق به. وقبل ان يتم اغتيال الشخص "يراقب القتلة هذا الشخص ويرصدون وقت دخوله وخروجه" بحسب قول اللواء الجابري.
أما صنع العبوة فسهل. يكفي تركيب جهاز ميكانيكي بسيط يعتمد على ضغط الهواء لدفع قطعة معدنية صغيرة تضرب الصاعق لتفجير العبوة.
هذه القطعة الميكانيكية تربط بالمواد المتفجرة وتلصق في أسفل السيارة بواسطة مغناطيس يمكن استقطاعه من الحواسيب، ولديه قدرة عالية على الالتصاق بالمعادن بحيث يستحيل انفصال العبوة عن السيارة حتى لو مرت على مطب، كما لا يمكن فصلها يدويا.
يسهل جمع كل هذه العناصر بشكل محلي. كما يسهل تصنيع كواتم الصوت في مصانع صغيرة. تكفي آلة صهر الالمنيوم لصنع كاتم صوت بالحجم المطلوب.
وتفاديا لتعريض حياتهم للخطر، حرص الضباط في مديرية مكافحة المتفجرات على إخفاء وجوههم عند تصوير الشرح الذي قدموه لبي بي سي عن كيفية صنع المتفجرات. يقولون ان الشرطة العراقية نشطت في الفترة الأخيرة في مجال التحري والتحقيق للوصول الى الأدلة على من يصنعون المتفجرات.
وقد يفسر ذلك بنظر الضباط الذين تحدثوا الى بي بي سي مقتل مدير مصلحة الأدلة الجنائية في الموصل أخيرا على يد مسلحين مجهولين.
ولا يمر يوم في العراق دون ان يسمع عن عملية اغتيال من هذا النوع او أكثر.